فضاء حر

موسم البرع السبتمبري

يمنات

محمد القيرعي

نحن الآن في موسم البرع السبتمبري المشحون كالعادة بشعارات وأهازيج الوطنية العاطفية الزائفة والمتزلفة.. احتفاءً من ناحية أولى بذكرى ثورة سبتمبر الأم من جهة 1962م.. وبذكرى سبتمبر الابنة أيضاً التي تحل قبلها بأسبوع مصحوبة بزوامل القحوم (توكلنا على الله بالبلاجيك).. وهذا هو أصلاً ما نجيده كشعب.. البرع.. والبرع الهوسي المجنون.. فقط.

فعلى مدى ستة عقود زمنية ونيف منذ قيام سبتمبر الأم.. ظل البرع الوطني على إيقاع (يا فرح.. يا سلى) هو العنوان الأبرز والمعبر عن ثورة فقدت عذريتها بشكل مبكر على أيدي أولاد الحرام.. ما أبقاها (كعملية ثورية) محصورة ومقيدة داخل سراديب القبيلي المبترع.. فاقدة لأبسط معانيها الفلسفية كأداة لعملية تحول حضاري وطني أعم، بحيث لم تورث لنا كشعب خلال تاريخها الوجودي وعبر جنرالاتها المتعاقبين على تدنيس شرفها وعذريتها.. سوى الأحقاد والتعثر والتخلف والكراهية المسمومة بحراب دورات العنف والاحترابات المتوالية والتناحر الطبقي والمناطقي والمذهبي والإثني.. إلخ.

ثم أطلت بعدها سبتمبر الابنة 2014م مصحوبة بزئير الفاتحين الجدد القادمين من أحراش أعالي شمال الشمال.. مفسحة المجال لنشوء طابور عريض من قوى الثورة المضادة الذين أسهموا من جهتهم في إنتاج وتأجيج أسوأ دورات العنف والاحتراب الأهلي الوطني والطائفي والمذهبي الذي أكل الأخضر واليابس بصورة يستحيل تخطي آثارها ونتائجها الكارثية على المدى الزمني الطويل.

ومع هذا لا زلنا مهووسين بالبرع المجزأ هو الآخر، حيث إن كل برع يعبر عن هوية طرف على حساب الآخر.. في تراجيديا تجريدية للطرف الآخر من هويته ووطنيته وانتمائه القومي والإثني.. إلخ.

نبترع بدرجة أعمتنا ليس فحسب عن رؤية الصواب.. وإنما حتى عن رؤية إنجازات المبترعين على مدى العقود الستة ونيف الفائتة والمتمثلة في مناخات الموت والفوضى والدمار والقتل الذي لا ينتهي والجوع والخراب البنيوي لكل أسس ومظاهر الحياة الإنسانية من حولنا والمغلفة بأسوأ أشكال التخلف الحضاري الذي أبقانا متعثرين في حواصل القرون الوسطى.. بمعزل عن العالم أجمع من حولنا.

إنها آفة البرع التي سيتطلب تخطي إيقاعاتها المنطلقة من عمق الجحيم عقوداً زمنية قادمة ومضنية وأجيالاً قادمة ومتلاحقة سيتعين عليها بالتأكيد دفع ثمن مجونها الدموي من أمنها وأرواحها وحاضرها ومستقبلها.. قبل أن ندرك أن الوطن والوطنية يمكن لهما أن ينبثقا بهدوء من ذواتنا.. بمعزل عن قيود البرع الإثنية والمذهبية والسلالية المشحونة بكل عوامل الإفك والازدراء والكراهية.

زر الذهاب إلى الأعلى